لاشك من وقوع الإختلاف في كل المجتمعات والأفراد، وهو من الأمور الطبيعية بل الضرورية من أجل الوصول إلى النظام الأكمل، وقد نسب الله هذا الاختلاف الممدوح إلى نفسه فقال : ( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) 1.
نعم هنالك اختلاف مذموم اشار اليه الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وهو الاختلاف في الدين لانه ينافي الفطرة التي فطر الناس عليها، وقد نسب الله هذا الاختلاف إلى بغي الناس وظلمهم حيث قال : (وَآتَيْنَاهُم بَيِّنَاتٍ مِّنَ الْأَمْرِ ۖ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) 2.
فتبين من ذلك أن المذموم في الاختلاف هو بلحاظ الأثر المترتب عليه، فإن اتبع الإختلاف التفرق في الدين والصراع فهذا الاختلاف المنهي عنه حيث قال : ( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) 3.
اما الإختلاف الممدوح والذي يكون مثمراً هو الذي ينتهي إلى حكم الشرع والتسليم له قال تعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) 4.
وقد حذر الله سبحانه وتعالى من الإستمرار بالخلاف في الجو الديني لأنه يكون من مظاهر الانحراف والشرك قال تعالى : (ولا تكونوا من المشركين * من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون) 5.
بقلم سماحة الخطيب
الشيخ حميد الكلابي
____________
1 : الزخرف ٣٢.
2 : الجاثية ١٧.
3 : ال عمران ١٥.
4 : النساء ٦٥.
5 : الروم ٣١-٣٢.
