النجف الاشرف - حي الحسين - مجاور هيئة الحج والعمرة 07800412419 email@minber.org

الأخبار والنشاطات

هنا تجد أحدث أخبار ونشاطات المؤسسة

الملايين والجائحة

الشيخ علي الخفاجي

لم يدر في خلد ملايين المحبين المعزين والمواسين لآل رسول الله (ص) في مصابهم بالحسين (ع) طوال شهر محرم الحرام لاسيما يوم عاشوراء حيث ذروة الزحام الأكبر في ركضة طويريج، التحدي للقوانين الطبية الطبيعية القاضية بأن التقارب الاجتماعي لأقل مما حدث في كربلاء في موجة انتشار جائحة كورونا التي يشهدها العالم الآن، موجب لتفشي الوباء وزيادة فتكه بشكل مروع، ولا دار في بال أولئك المعزين الرد على أهل الإختصاص المحذرين من عودة التقارب الاجتماعي، وما يمثله من بيئة مثالية لاستفحال الجائحة.

إذن مالذي جرى ؟ ونحن نرى أعداد الإصابات في العراق متقاربة مع الاعداد ذاتها قبل يوم عاشوراء وزحامه الأكبر بعد مرور ما يقارب الاسبوعين، بل شهدت انخفاضا في أعداد المتوفين وزيادة في أعداد المتعافين وتراجعا في اعداد المصابين أحيانا، وكأن الملايين التي ركضت نحو الحسين (ع) كتفا الى كتف وقد أختلطت انفاسهم في صدورهم ورئاتهم في ذلك اليوم من كافة انحاء العراق، لم تمر في ذلك المكان، ولم تترك أثرا لفايروس كورونا الذي أصاب أكبر اقتصاديات العالم بشبه الشلل التام .

مالذي جرى؟ تساؤل جدير بالطرح على طاولة الإنصاف، وقضية كهذه لو جرت في مكان غير كربلاء وفي وقت غير عاشوراء لا حدثت تساؤلات عالمية عن خلفيات ما جرى، وقد رجع ملايين المحبين المعزين الى أهاليهم ولم تتضاعف أعداد اصابات الجائحة، سواء في كربلاء محل الحدث، أو في المدن التي رجع اليها الزوار، في الوقت الذي تراجعت فيه بعض دول العالم الكبرى عن الانفتاح الجزئي الذي جربته في بعض مجتمعاتها، هل ماجرى في كربلاء صدفة مثلا، مع أن الكثير من الزوار والمعزين لم يكن منشغلا بشروط السلامة، بل كان مأخوذا بأجواء حدث يوم عاشوراء، أم أن وراء الأكمة ما وراءها وهناك أمر ما وقانون وراء القوانين الطبيعية لا ينكر دوره العقلاء ، كما لا ينكرون القوانين الطبيعية ودورها  في دورة الحياة .

لاشك أن المنظومة الدينية الالهية تراعي القوانين الطبيعية وليس هناك أي تناف بين الالتزام الديني والالتزام بقواعد السلامة العامة، والدين الالهي دعا لذلك وحث على الالتزام بكل مامن شأنه توفير أجواء تساعد على تقليل الضرر المحتمل، ولكن هناك أمر آخر يجري بموازاة رعاية السلامة التي أقر بها الدين وحث عليها الشرع، وهو الأيمان بالغيب وأن هناك قوة حاكمة على القوانين الطبيعية قادرة على إحداث الفرق في المعادلة، التي يرى البعض أن لاوجود وحضور فيها إلا للمادة فقط، هذه القوة هي نفسها التي اودعت في فايروس كورونا قابلية إحداث الوباء بين الانسانية، خصوصا اذا تعلق الأمر بقضية كقضية الحسين العادلة، والتي استجابت لحقانيتها السماء قبل الأرض .

لهذا نقول بعد مرور ما يقارب الاسبوعين على يوم عاشوراء، ألا يلمس المنصف أن في عدم التداعي اللافت في أعداد إصابات الجائحة، مع التراجع في أعداد الموتى والتزايد في اعداد المتعافين بل التراجع في اعداد المصابين أحيانا، كرامة من الله تعالى لسيد الشهداء الحسين (ع) ؟، رغم كل هذا الاجتماع والتقارب العاشورائي الذي ليس من المجازفة القول بحقه أنه الاجتماع والتقارب البشري الأكبر في العالم في زمن الجائحة في مكان واحد ووقت واحد ، فالذي أودع في الفايروس قابلية الإمراض إظهارا لقدرته، قادر على أكثر من ذلك رحمة بعبده وإظهارا لكرامته ، ولله أمر هو بالغه .

بقلم سماحة الخطيب

الشيخ علي الخفاجي

العودة للأعلى