النجف الاشرف - حي الحسين - مجاور هيئة الحج والعمرة 07800412419 email@minber.org

الأخبار والنشاطات

هنا تجد أحدث أخبار ونشاطات المؤسسة

من انصار الإمام الحسين (ع) أبو بكر بن الحسن المجتبى

فيمَن ذُكِر:

في أعمال يوم عاشوراء.. يُستحبّ زيارة الإمام أبي عبد الله الحسين صلواتُ الله عليه بمهجةٍ حَرّى، وعينٍ عَبْرى، بعد السلام على رسول الله وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والحسن المجتبى، وسائرِ الأئمّة مِن ذريّة سيّد الشهداء صلوات ربّنا عليهم، وتعزيتهم بالمصائب العظيمة التي ألَـمَّت بالإمام الحسين عليه السلام وآله وأصحابه في ساحة طفّ كربلاء.

وتبدأ الزيارة بالقول: «السلامُ عليك يا وارثَ آدمَ صَفوةِ الله …»، وفيها: «سلامُ اللهِ عليكَ ورحمةُ الله وبركاتُه يا ابن سيّدِ العالَمين، وعلى المُسْتَشهَدينَ معك، سلاماً مُتَّصِلاً ما اتّصَلَ اللّيلُ والنهار.

السلامُ على الحسينِ بنِ عليٍّ الشهيد، السلامُ على عليِّ بنِ الحسينِ الشهيد، السلامُ على العبّاسِ بنِ أميرِ المؤمنينَ الشهيد، السلامُ على الشهداءِ مِن وُلْدِ أمير المؤمنين، السلامُ على الشهداء مِن وُلْدِ الحسن، السلامُ على الشهداءِ مِن وُلْدِ الحسين، السلامُ على الشهداء من وُلْدِ جعفرٍ وعقيل، السلامُ على كلِّ مُستَشْهَدٍ معهم من المؤمنينِ..» (1).

وقد دقّق أصحاب السِّيَر والرجاليّون في عدد شهداء كربلاء مِن بني هاشم، فوجدوهم سبعةَ عشر رجلاً غيرَ الإمام الحسين سلام الله عليه، وقيل: أكثر من ذلك، فيكون عند الطبريّ تسعةَ عشر رجلاً، منهم: مسلم بن عقيل وأبو بكر بن أمير المؤمنين عليه السلام (2)، وعند أبي الفَرَج الإصفهانيّ اثنين وعشرين رجلاً (3)، حتّى تبلغ عِدّتُهم عند الخوارزميّ خمسةً وعشرين رجلاً عدا الإمام الحسين عليه السلام ومسلم ابن عقيل رضوان الله عليه (4).

وعلى أيّة حال، فإنّ في جميع ما ذُكِر وأُدْرِج من أسماء شهداء بني هاشم على أرض الطفّ يوم عاشوراء.. اسمَ أبي بكر بن الإمام الحسن المجتبى عليه السلام، الذي ذَكَره عِدّةٌ من الرواة والمؤرّخين، منهم: الطبريّ، وأبو الفَرَج الإصفهانيّ، والشيخ المفيد، والمسعوديّ، وابن قُولَويه.

تعريف موجَز:

أبوه: غنيٌّ عن التعريف، فهو الحسن الزكيّ المجتبى ريحانة رسول الله صلّى الله عليه وآله، وسيّد شباب أهل الجنّة، وأحدُ خمسة أهل البيت الذين أذهبَ اللهُ عنهمُ الرجسَ وطهّرَهم تطهيراً، وأحدُ أصحاب الكساء الذين باهَلَ بهم النبيُّ صلّى الله عليه وآله نصارى نَجْران، وأحد قُربى المصطفى صلّى الله عليه وآله الذين فرَضَ اللهُ مودّتَهم، وجعل محبّتَهم واجبةً وكذا طاعتَهم، وذاك أجرُ الرسالة، وقد قال تعالى: ﴿يا أيُّها الذين آمنَوُا أطيعُوا اللهَ وأطيعُوا الرَّسولَ وأُولي الأمْرِ مِنكم﴾ (5).

والإمام الحسن صلوات الله عليه قد أوقَف عمرَه الشريف لخدمة الإسلام، وبذلَ مهجتَه المباركة في طاعة الله تبارك وتعالى، حتّى قضى شهيداً مسموماً مُحتسِباً، ثمّ بعد أن قدّمَ نفسه المقدّسة قدّم وُلدَه على طريق الشهادة، فكان منهم عدّةٌ في ساحة كربلاء، وكان لهم حضورٌ شجاع ومُشرِّف، وموقفٌ عقائديّ شامخ.

أمّا أُمّه: فقال بعضهم هي: أُمّ ولد، ولا نعرف اسمَها (6). ولعلّ الأمر قد غمض على الكثير لأنّهم لم يعرفوا أبا بكر بن الإمام الحسن عليه السلام ما اسمه؟ ويظهر مِن خلال التحقيق في كتب التواريخ والسِّيَر أنّه كان للإمام الحسن عليه السلام ابنان مُسمَّيانِ بـ «عبد الله».. أحدهما عبد الله الأصغر الذي كان غلاماً لم يُراهِق بعد، وقد خرج بعد وقوع الإمام الحسين عليه السلام، وأفْلَت من عند النساء واشتدّ حتّى وقفَ إلى جَنْب عمّه الحسين سلام الله عليه، فقال الحسين عليه السلام لأخته زينب عليها السلام: «إحبِسيهِ يا أُختي». فأبى الغلام وامتنع امتناعاً شديداً، وقال: لا واللهِ لا أُفارق عمّي. فلمّا أهوى بحر بن كعب بسيفه إلى الحسين عليه السلام صاح به الغلام عبدُ الله ابن الإمام الحسن عليه السلام: وَيْلَك يا ابن الخبيثة! أتَقتُلُ عمّي؟! فضربه بحرُ بن كعب فاتّقاها الغلام بيده، فأطَنَّها إلى الجِلدة فإذا هي مُعلّقة، فأخذه الإمام الحسين عليه السلام فضَمَّه إلى صدره وقال له: «يا ابن أخي، اصِبرْ على ما نزل بك واحتَسِبْ في ذلك الخير، فإنّ الله يُلحقك بآبائك الصالحين».. فرماه حرملةُ بن كاهِل بسهمٍ فذبحه وهو في حِجْر عمِّه الحسين صلوات الله عليه (7).

والآخَر هو عبد الله الأكبر (8)، المكنّى بأبي بكر، ابن الإمام الحسن عليه السلام، وهو أخو القاسم بن الحسن عليه السلام لأبيه وأُمّه، وقد زوّجه الإمامُ الحسين عليه السلام ابنتَه سُكينة. قال السيّد عبد الرزّاق الموسويّ المقرَّم: أبو بكر ابن الحسن، اسمه عبد الله، وهو أخو القاسم مِن أُمّه «رَمْلة» (9).

حملة آل أبي طالب:

بعد شهادة عليٍّ الأكبر بن الحسين السِّبط صلوات الله عليه، خرج عبدُ الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب، وأُمُّه رقيّة الكبرى بنت أمير المؤمنين عليٍّ سلام الله عليه، فقتل جماعةً بثلاث حملات (10)، فرماه يزيد بن الرقّاد الجُهَنيّ بسهمٍ فاتّقاه بيده، فسمّرها إلى جبهته، وحمل عليه رجلٌ برمحه فطعنه في قلبه، فوقع صريعاً شهيداً (11).

ولمّا استُشهِد عبد الله بن مسلم، حَمَل آلُ أبي طالب حملةً واحدة، فصاح بهم الإمامُ الحسين عليه السلام في تلك الحال: «صَبراً على الموتِ يا بني عُمومَتي (وفي رواية: صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهلَ بيتي!)، فوَاللهِ لا رأيتُم هَواناً بعد هذا اليوم أبداً» (12). فوقع عَون بن عبد الله بن جعفر الطيّار وأُمّه زينب العقيلة سلام الله عليها، ووقع أخوه محمّد وأُمّه الخَوْصاء، ووقع عبد الرحمان بن عقيل بن أبي طالب وأخوه جعفر بن عقيل، ووقع محمّد بن مسلم بن عقيل (13). وأصابتِ الحسنَ المثنّى ابن الإمام الحسن السبط عليه السلام ثماني عشرة جِراحة، وقُطِعت يدُه اليُمنى ولم يُستَشْهَد.. وخرج أبو بكر بن أمير المؤمنين عليه السلام فقتله زحر بن بدر النَّخَعيّ (14).

وخرج عبد الله بن عقيل، فما زال يضرب فيهم حتّى أُثخن بالجراح وسقط، فقتله عثمان بن خالد التميميّ. بعده خرج أبو بكر بن الإمام الحسن عليه السلام..

بنفسيَ آلَ المصطفى كم تَصَـرّعَتْ

على الطفّ شُبّانٌ لهم ومَشايخُ

عَشيّةَ سامُوهم هَواناً فنافَرَتْ

بهم شِيَمُ الصِّيدِ الأُباةِ البَواذخُ

رأوا قَتْلَهُم في العِزّ خيراً مِن البَقا

أذلاّءَ في أحشائها الهُونُ راسخُ

لئن كادَهُم هَضمُ الأعادي فعارُها

على خاذِليهم ليس يَمحوه ناسخُ

وإن تُركوا صَرعى فكم لهمُ عَلا

مَقامٌ على السَّبْعِ السماواتِ شامخُ

بنفسـي ضيوفاً في فَلاةٍ تَجرَّعوا

بها غُصَصاً ما بينهنّ بَرازِخُ ( )

الأفق الأسمى:

أيُّ أُفقٍ ذاك الذي يُحلّق فيه المؤمن حين يُوفَّق أن يوالي وليَّ الله وحجّته وإمامَ حقٍّ كالحسين سيّد شباب أهل الجنّة صلوات الله عليه، ويُؤازره ويناصره على أعدائه، ويخرج مجاهداً في سبيل الله بين يديه يطلب مرضاة ربِّه ونوال الوسام الإلهيّ بالشهادة المُـثْلى!

كما برز أبو بكر بن الحسن المجتبى صلوات الله عليه إلى ساحة الجهاد الحقّ، مدافعاً عن حريم الإسلام، وعن حُرمة الإمامة.. فقاتل قتال الأبطال، وقَتَلَ مَن قَتل حتّى قُتِل شهيداً مُحتسِباً ليكون مِن أولئك الذين وصفهم سيّدُ الشهداء أبو عبد الله الحسين عليه السلام:

«إنّي لا أعلم أصحاباً أَولى ولا خيراً مِن أصحابي، ولا أهلَ بيتٍ أبَرَّ ولا أوصلَ مِن أهل بيتي..» (16).

القاتل:

تَردَّد أصحابُ السِّيَر في قاتل أبي بكر بن الإمام الحسن عليه السلام بين اثنين: الأوّل ـ هو عبد الله بن عُقبة الغَنويّ، فقال الشيخ المفيد: ورمى عبدُ الله بن عُقبة الغَنَويّ أبا بكر بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام بسهمٍ فقتله (17). وقال أبو الفَرَج الإصفهانيّ: ذكر المدائنيّ في إسنادنا عنه، عن أبي مِخنَف، عن سليمان بن أبي راشِد: أنّ عبد الله بن عُقبة الغَنَويّ قتَلَه (18).

والثاني ـ هو أبوه عُقبة الغَنَويّ.. كتب أبو الفَرَج الإصفهانيّ: وفي حديث عمرو ابن شمر، عن جابر (بن يزيد الجُعفيّ)، عن أبي جعفر (الباقر عليه السلام): أنّ عُقبة الغَنَويّ قتَلَه.

ثمّ قال الإصفهانيّ: وإيّاه عنى سليمانُ بن قَتّة بقوله:

وعند «غَنيٍّ» قطرةٌ مِن دمائِنا

وفي أَسدٍ أُخرى تُعَدُّ وتُذْكَرُ ( )

وإلى هذا الرأي يذهب الشيخ محمّد السماويّ، ولكنّه يكتب رأي الإصفهانيّ هكذا: ورُويَ أنّ عُقبة الغَنَويّ هو الذي قتَلَه، وإيّاه عنى سليمانُ بن قتّة بقوله:

وعند «غَنيٍّ» قطرةٌ مِن دمائِنا

سَنَجزيهمُ يوماً بها حيثُ حَلّتِ

إذا افتَقَرَتْ قيسٌ جَبَرْنا فقيرَها

وتَقتُلُنا قيسٌ إذا النَّعلُ زَلّتِ ( )

وعلى أيّة حال.. ألا لعنَ اللهُ قاتِلَ أبي بكر بن الحسن السبط عليه السلام، كائناً مَن كان! وسلامُ الله على الشهيد السعيد، وسلام الإمام المهديّ صلوات الله عليه وعجّل تعالى فرَجَه على هذا المجاهد الوفيّ، حيث يقول في زيارته لشهداء كربلاء: «السلامُ على أبي بكرِ بنِ الحسن بن عليٍّ الزَّكيِّ الوَليّ، المَرْميِّ بالسَّهْمِ الرَّدِيّ، لعَنَ اللهُ قاتِلَه عبدَ اللهِ بنَ عُقْبةَ الغَنَوِيّ» (20).

بقلم المألف الاستاذ

الحاج جعفر البياتي

________

( ) بحار الأنوار 101: 222 ـ 224 / ح 34 ـ عن: مصباح الزائر. ومفاتيح الجِنان للشيخ عبّاس القمّي ـ الفصل السابع في أعمال شهر محرّم الحرام / أعمال يوم عاشوراء.

(2) تاريخ الطبريّ 5: 468 ـ 469.

(3) مقاتل الطالبيّين: 95.

(4) مقتل الحسين عليه السلام للخوارزميّ 2: 47 ـ 48.

(5) سورة النساء: 59.

(6) مقاتل الطالبيّين: 57، تاريخ الطبريّ 6: 269، إبصار العين في أنصار الحسين عليه السلام: 71.

(7) تاريخ الطبريّ 6: 259، مثير الأحزان لابن نما: 38، الملهوف على قتلى الطفوف لابن طاووس: 173، مقاتل الطالبيّين: 58، الإرشاد: 241، بحار الأنوار 45: 53.

(8) تاريخ الطبريّ 6: 269.

(9) العيون العَبرى في مقتل سيّد الشهداء: 159. وفي الحدائق الورديّة للفقيه اليمانيّ المحلّيّ: أُمُّه وأُمّ القاسم رملة.

(10) نسب قريش لمصعب الزبيريّ: 45، مناقب آل أبي طالب 2: 220.

(11) أنساب الأشراف للبلاذريّ 5: 238، تاريخ الطبريّ 6: 179، مقاتل الطالبيّين: 62، الإرشاد: 239.

(12) تاريخ الطبريّ 6: 256، مقتل الحسين عليه السلام للخوارزميّ 2: 78، الملهوف: 167.

(13) سِيَر أعلام النبلاء للذهبيّ 3: 217.

(14) مقتل الحسين عليه السلام للخوارزميّ 2: 28، مناقب آل أبي طالب 2: 221.

(15) تاريخ الطبريّ 7: 321، الكامل في التاريخ 3: 285، الإرشاد: 231.

(16) الإرشاد: 240.

(17) مقاتل الطالبيّين: 57. وقد وَهِم الإصفهانيّ في عنوانه، فكتب اسم الشهيد هكذا: أبو بكر بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام، ويقصد به أبا بكر بن الحسن عليه السلام لا غير.

(18) إقبال الأعمال: 56.

العودة للأعلى